الإسلام وعلاقة الإنسان بالبيئة

﴿قُل لِّعِبَادِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَهُمْ سِرَّاً وَعَلاَنِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلَالٌ 31 اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الَّثمَرَتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الاَْنْهَرَ 32وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ33 وَءَاتَيكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلُْتمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ34﴾
لئن كان حق الحياة مقدسًا لكل كائن على وجه الأرض، فإن الإنسان وهو أرقى هذه الكائنات على الإطلاق وأكرمها، هو الأجدر بهذا الحق، الذي لم يكتف للحفاظ عليه، بجني ما تجود به عليه بيئته الطبيعية من فواكه وخضر وغلال -كما هو الشأن لدى الحيوان- بل عمد من خلال توظيف كل إمكانياته العقلية وطاقاته الجسدية، إلى إقامة علاقة ببيئته، تحكمها لدى التفسيرات الغربية ثلاثة أطراف: البيئة الطبيعية، والإنسان، ثم الإنسان... فهذا الأخير وأثناء صراعه مع البيئة لإنتاج حاجاته المادية، يقوم بهذه الوظيفة ضمن مجموعة.

وانطلاقًا من ذلك الوجود المشترك أثناء عملية الإنتاج، يقيم علاقات محددة، تمثل لدى الماركسية العلاقات الاجتماعية للإنتاج. وتكون مرتبطة وثوق الارتباط بقاعدتها المادية، أي بقوى الإنتاج. فكلما حدثت تطورات نوعية على مستوى تلك القوى، تولدت عنها علاقات اجتماعية للإنتاج جديدة... الظاهرة التي تبرز تاريخية تلك العلاقات.

أما الرأسمالية، ولئن كانت تعتبر بدورها أن الإنسان يقيم علاقة ببيئته الطبيعية، من خلال تعاونه مع الإنسان، فإنها ترفض تحديد العلاقات الاجتماعية وتاريخيتها.

وفيما يتعلق بالإسلام، فإن نظرته لهذه العلاقة، لئن كانت تشاطر تلك التفسيرات في الأخذ بعين الاعتبار بكل من الطبيعة والإنسان ثم الإنسان، الذي مهما حاول أن يعمل مستقلاً يجد نفسه مشتركًا مع غيره في عمل ما، أو أنه ينجز حلقة من سلسلة أعمال يعمل فيها آخرون(85)، فإنها تدرج طرفاً رابعًا خارجًا عن إطار المجتمع، وهو الله سبحانه وتعالى(86)، وذلك خلافًا للتفسيرات الغربية الآنفة الذكر، التي وضعت افتراضين يختلفان في الظاهر، ليلتقيان في الجوهر...

فالماركسية افترضت إقصاء الله سبحانه وتعالى من كل منظومتها الفلسفية المادية، باعتباره خارجًا عن إطار الملموس. وإذا كان الله سبحانه وتعالى ليس له أي وجود في خلفيتها المادية الجدلية، فبالضرورة لن يكون له مكان في تحديد علاقة الإنسان ببيئته. في حين أن الليبيرالية، ولئن لم تقص الله سبحانه وتعالى، ولم تجحده البتة، فإنها لا ترى له فائدة، ولا مكانًا كذلك في تحديد تلك العلاقة.

أما إدراج الإيمـان بوجود الله سبحانه وتعــالى ضمن علاقة الإنســـان بالبيـــئة، كما أسلفنا، فليكن له دور فعّال في تحديدها، وذلك على ضوء تحديده أصل ووظيفة كل منهما، علاوة على تحديده موقعه منها.

1. أصل الإنسان والبيئة:

إنه يعود إلى:(الله الذي خلق السموات و الأرض و ما بينهما) (السجدة:4). وإفــــراد الله سبـــحانه وتعـــالى بالخلق، لا يعني في هذا الإطار إيصـــــاد الأبواب أمام العلم للبحـــث في أسرار نشأة الحياة: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ ا لخلق ) (العنكبوت:20)، و(أ و لم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيء ) (الأعراف:185)، ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قيامًا وقعــودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ) (آل عمران:190-191). بل إن ذلك يعد من أقدس الواجبات، انطلاقًا من درجة الوعي التي يكتسبها الإنسان من بيئته الاجتماعية بمختلف أبعادها المتشابكة، حتى تقترن القناعة بالبرهان والرفض بالحجة والممارسة بالوعي...

وبذلك، فالإقرار بحق الخلق لله وحده لكل من الإنسان والبيئة الطبيعية، لا يعد في هذا الإطار شلاًّ للعقل البشري عن التفاعل مع محيطه عبر الزمان والمكان .. بل يعتبر حثًا على التفكر والبحث وطلب العلم، لتبديد ظلام الجهل وضلال الخرافة... ويضعنا بذلك، في قلب الطبيعة على مستوى الكون والعالم، ويختار لنا موقعًا "تجريبيًا" يعتمد النظر والتمعن والفحص والاختبار من أجل الكشف والابتكار، ومن أجل ألا نفقد توازننا الحضاري، فنجنح باتجاه الروح أو الأخلاق ونهمل التكييف والتطوير الماديين الملازمين لأية حضارة متوازنة تريد أن تتحقق بالشرط الأساسي للوجود الإنساني على الأرض، وهو عبادة الله، والتوجه إليه أخذًا وعطاء(87)، الظاهرة التي تقودنا إلى وظيفة كل من الإنسان والبيئة.

2. وظيفة الإنسان والبيئة:

إنها ذات ارتباط متين بغاية الخلق والوجود، ولا تخرج عن دور العبادة إذًا: (وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون) (الـــــــذاريات:55)، (لله ما في السموات وما في الأرض ) (البقرة: 284).

لكن ولئن اشترك كل من الإنسان والبيئة في العبادة(88)، فإن هذه الأخيرة وخلافًا للكائن البشري، الذي زوده الله بالعقل ومنحه حرية الإرادة لاختيار المنهج الذي يروم العيش ضمنه: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (يونس:99)، (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) (البقرة:256)، (إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا ) (الإنسان:3)، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (الكهف:29)، لئـــن اشتركا معًا في العبـــادة إذًا، فإن البيئة لا تزيغ في عبادتها عن الطريقـة التي رسمهــــا لها الله، والتي لا يعلمها إلا هو: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) (الإسراء:44)، (كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ) (النور:41)، وكذلك دون أن تحيد عن كونها مسخرة لخدمة الإنسان: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ) (لقمــــان:20)، (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ) (الحج:65)، (هو أنشأكم من الأرض وا ستعمركم فيها ) (هود:61)، فضلاً عن تسخير بعضها لخدمة بعض.

لكن تسخير البيئة للإنسان بكل ما يتضمنه من تزويد بمختلف المـــوارد الطبـــيعيـــة واستيـــــعاب لمخلفـــات وفضلات جميع أنشـــطته، لا يعد في هذا الســــياق مدعاة للتواكل وشــلاً لقدرة الإنسان على التعامل الإيجابي والفاعل مع البيئة حتى يأخذ فيها حيزه ويستمد منها حاجياته.

في حين أن مفهوم العبادة، بالنسبة للإنسان، ليس مساحة ضيقة لا تتجاوز دائرة الشعائرية والاتصال الروحي بالله... بل إنه يشمل كل أنشطته طالما كانت مشروعة في نظر الإسلام، وصحبتها النية الصالحة، وأنجزت بإتقان وإحسان، والتزم فيها حدود الله، ولم تحل بين الإنسان وأداء واجباته الدينية، كما قال تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) (النور:37)(89).

ومن ثم حتى بالاقتصار على البعد الروحي في العبادة، المفهوم الشائع، فإن الروحانية ليست مسألة ميتافيزيقية أو غيبية مجردة تجسدها مختلف الشعائر الدينية فحسب، وإنما هي العمل الصالح ابتغاء وجه الله(90)، والحث عليه لتوظيف وتعبئة كل الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة، بهدف توفير ظروف أكثر ملائمة للإنسان يتسنى له من خلالها إدراك معنى وقيمة وغاية وجوده.

إنه مفهوم للعبادة يربط الممارسة بالتأمل، لتحرير العقل والسمو به من دائرة استكشاف الخيــــــــرات والتمتــع بها دون إسراف أو تبذير، إلى دائرة أرقى تتيــح إقران كل ذلك بالتــــــأمل: (فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنّا صببنا الماء صبًا * ثم شققنا الأرض شقاً * فأنبتنا فيها حباً * وعنباً وقضباً * وزيتوناً ونخلاً * وحدائق غلباً * وفاكهة وأبا ) (عبس:24-31)، (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ) (الروم:50)، (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب * ونزلنا من السماء ماء مباركًا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد * والنخل باسقات لها طلع نضيد ) (ق:6-10).

ليشمل هذا التأمل التاريخ البشـــــري بأكمله: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبةالذين من قبلهم ) (محمد:10). وذلك بهدف استخلاص العبر والاستفادة من تجارب الآخرين، لتثبيت وتقويم مسيرة الإنسان نحو تحقيق حريته في أعلى مراحلها وأتم أشكالها توحيد الله عز وجلّ، حيث تقترن الممارسة بالوعي، الوعي بالمسؤولية، والمسؤولية بالآخرة... ويمتزج الإيمان بالإخلاص، والإخلاص بالتقوى، والتقوى بالعمل.

وعلى هذا الأساس، فإن هذه النظرة لوظيفة الإنسانية تضعها في قلب العالم والطبيعة، وتدفعها إلى أن تبذل جهدها من أجل التنقيب عن السنن والنواميس في أعماق التربة، وفي صميم العلاقات المادية بين الجزيئات والذرات... إننا بإزاء حركة حضارية شاملة تربط، وهي تطلب من الإنســـان أن ينظر في السمـــوات والأرض، بين مسألة الإيمان ومسألة الإبـــداع، بين التـــلقي من الله والتوغل قدمًا في مسالك الطبيعة ومنحنيــاتها وغوامضها، بين تحقيق مستوى روحي عالٍ للإنسان على الأرض، وبين تسخير قوانين الكيمياء والفيزياء والرياضيات، لتحقيق الدرجة نفسها من التقدم والعلو الحضاري على المستوى المادي المدني(91).

إننا بإزاء منهج رسالي فريد، جاء ليجمع بين الأرض والسماء في نظام الكون، والدنيا والآخرة في نظام الدين، والروح والجسد في نظام الإنسان، والعبادة والعمل في نظام الحياة، ويسلكها جميعاً في طريق موحد هو الطريـــــق إلى الله، ويخضعها كلها لسلطان واحــد: هو سلطـــــان الله(92)، وعلى أساس هذه الوحــــدة... وحدة المنشأ... ووحـــــدة الوجهة... ما عســــى أن يكون موقــــــع الإنسان من البيئة ؟



3. الإنسان جزء من البيئة:

ويتجلى ذلك من خلال الصلة المتينة بين الإنسان والأرض، أحد المكونات غير الحية للبيئة، التي طالما أشار إليها القرآن الكريم. فالإنسان في هذا السياق، لئن خلقه ربه في أحسن تقويم، وصوّره وميّزه عن سائر المخلوقات، بأن وهبه جملة من الخصائص البيولوجية، يمكن تقسيمها إلى فئتين(93)، هما انتصاب القامة وما يرتبط بها تشريحيًّا ومورفولوجيًّا (البنية الظاهرية)، وكبر حجم الجمجمة ونمو الدماغ والمراكز المتصلة به، وبخاصة المتعلقة بالنطق... لئن فضله بكل ذلك، فإن عملية نشأته الأولى تعود إلى الأرض: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتـم أجنة في بطون أمــــــهاتكم ) (النجم:32)، (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ) (الحج:5). وقد دعم العلم الحديث مثل هذه الحقائق، حيث توصل أحد العلماء، بافتراض إنسان زنته مائة وأربعون رطلاً، إلى النتائج التالية(94):

قدر من الدهن يكفي لصنع سبعة قطع من الصابون.
قدر من الكربون يكفي لصنع سبعة أقلام رصاص.
قدر من الفسفور يكفي لصنع رؤوس مائة وعشرين عود ثقاب.
قدر من ملح المغنيسيوم يصلح جرعة واحدة لأحد المسهلات.
قدر من الحديد يمكن عمل مسمار متوسط الحجم منه.
قدر من الكبريت يطهر جلد كلب واحد من البراغيث التي تسكن شعره.
قدر من الماء يملأ برميلاً سعته عشرة جالونات.
فمن الأرض خلق الإنسان إذًا، وإليها سوف يعود ليبعث منها تارة أخرى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) (طه:55). وفيما بين صرخة الحياة الأولى وحشرجة الممات الأخيرة، على الأرض يمشي: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) (الملك:15)...

وعليها يشيد القصور والمباني، بحثًا عن الأمن وسعيًا عن الراحة: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا وتـنحتون الجبال بيوتاً ) (الأعراف:74).

ومنها يقتات الحيوان والنبات والأشجار، مصدر غذائه ذو المنشأ الحيواني والنباتي:(الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نباتٍ شتى * كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) (طه:53-54).

وعلى هذا الأساس، إذا كان أصل الإنسان، الذي فضله الله على كل الكائنات، هو الأرض، أحد المكونات غير الحية للبيئة، كما أسلفنا، وجميع ذراته متكونة من طبيعتها كي يستطيع العيش فيها، ولئلا تكون غريبة عنه(95)، علاوة عن كونها تشكل مصدر ذلك العيش، إذا كان الأمر على هذا النحو، فإن الإنسان لا يعد منفصلاً عن البيئة... بل إنه لا يعدو أن يكون إلا جزءًا منها أو أحد عناصرها، بكل ما يترتب عن ذلك من جوهر جديد، غير الصراع، لعلاقته بها.

4. الإسلام وعلاقة الوفاق بين الإنسان والبيئة:

على ضوء ما تقدم، حيث أضحى خالق كل من الإنسان والبيئة في الأصل واحدًا، وهو الله: (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ) (السجدة:7)، وغايتهما واحدة، وهي العبادة: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهًا.. ) (الرعد:15).

والكائن البشري غير منفصل عن البيئة، فهو عنصر مميز من عناصرها المسخرة له، ومكون فريد من مكوناتها يقف فيها منتصب القامة، حاملاً جمجمة كبيرة تحوي دماغًا متطورًا يسيطر على جهاز نام للنطق(96)، على ضوء كل ذلك إذًا، فإن علاقة الإنسان ببيئته الطبيعية، لا تتحول إلى مسيطِر بمسيطَرعليه، أو علاقة مالك بمملوك، إنما علاقة أمين استؤمن عليــها(97)، بكل ما يعنيه ذلك من وفاق وانسجام وتكامل معها... وبكل ما يترتب علىه من سلوك أيكولوجي، يفترض أن الإنسان بفضل طاقاته الخلاقة ومن خلال تفاعله مع البيــئة، سيواصل إحداث تغيـــيرات مستمرة لكل منهما... تغيــــيرات يجب أن تمكث في إطار الحدود التي فرضتها السنن الطبيعية، والخصوصيات البيولوجية والعقلية الثابتة للفطرة البشرية(98). لأن هذا السبيل هو الكفيل وحده للاستمرار في التمتع بالخيرات الطبيعية عبر الزمان والمكان، ومن ثم بضمان البقاء والاستمرار للجنس البشري بمختلف أجياله الحاضرة والمقبلة.

ولأن هذا المنهج، أضحت في إطاره الأمانة جزءًا من المؤتمن، فهو الأقدر بذلك على تجاوز ما رسخته حضارة الصراع والسيطرة فيما بين الإنسان وبيئته، وما أفرزته من ثم من اضطراب وحيرة وخوف.

الاضطراب الذي ولد الشك في قدرة العلم على حل كل مشاكل الإنسان المادية والروحية، رغم الأشواط العملاقة التي قطعها في شتى المجالات، بعد أن فصل العلم عن العقيدة...

والحيرة أمام الحاضر، الذي يجهل فيه الإنسان أشياء شتى عن قيمة ومعنى وغاية وجوده، لأن قضية معنى الحياة والغاية منها قد فقدت منذ زمن في نظر الأوروبي الحديث جميع أهميتها العملية، وأصبح المهم لديه، قضية واحدة فقط، هي تلك الأشكال التي تستطيع أن تتلبس بها الحياة... ليتقدم نحو السيطرة النهائية على الطبيعة.

والخوف من المستقبل، الذي يكتنفه ركام الشك والغموض، حول ما ينتظر الإنسان بعد الموت، ثم سر الموت ذاته.. هذا اللغز الذي وقف الإنسان عاجزًا أمامه منذ نشأته: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) (الإسراء:85).

ولأن هذا المنهج كذلك، فإنه لم يقف عند حدود إرساء علاقة وفاق وتعايش متبادل فيـــما بين الإنسان وبيئته، بل إنه دعمــها بحثِّه على جــملة من الإجـــراءات الوقـــائية، تجســدها ما اصـطلح على تسمــيته بحماية البيئة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire