الصلاة عمود الدين


الحمد لله رب العالمين، أمر عباده المؤمنين بالمسارعة إلى الخيرات، وحذر من إضاعة الأوقات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذلت لعظمته الجباه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حقق الله رجاه، وجعل قرة عينه في الصلاة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون فالتقوى خير زاد ليوم المعاد [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران الآية102).
عباد الله خلق الله الخلق لعبادته قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ](الذاريات الآيات 56، 57، 58).

وأعظم العبادات بعد التوحيد عبادة الصلاة، وقد جاء الأمر بها في آيات كثيرة قال تعالى: [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ] (البقرة: الآية 238)، وقال تعالى: [وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ](البقرة:الآية 43)، وقال تعالى: [هُدًى لِلْمُتَّقِينَ *الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ](البقرة: الآيات2، 3).
وقال تعالى: [إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً](النساء: الآية 103).
وقال تعالى: [إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ](التوبة: الآية18)
وقال صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)(رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ)(رواه أبو داود).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ يَقُومُ فِي صَلاَتِهِ فَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ إِلاَّ انْفَتَلَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)(رواه الحاكم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْجُمُعَةَ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا لَمْ تُغْشَ الكبائر)(رواه الترمذي).
عباد الله الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أحد مبانيه العظام، وهي الكتاب الموقوت، فيها التواضع لكبرياء الله، فيها الخضوع لعظمة الخالق العظيم، هي غذاء القلوب، وراحة الأبدان، وطمأنينة النفوس، كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول لبلال (يَا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بها)(رواه أبو داود).

الصلاة هي جنة المؤمن وعدته،يستعين بها على نوائب الحياة، هي مفتاح الخيرات والبركات، فيها الفوز والفلاح والسعادة، هي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله)(رواه الطبراني، وخرجه الألباني في الترغيب والترهيب، وقال حديث صحيح لغيره).
الصلاة أيها المؤمنون مزيلة الذنوب، وغاسلة الخطايا، ومنقية الأبدان، ومطهرة النفوس، قال صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ : فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الخَطَايَا)(رواه مسلم).

والصلاة قرة عين الرسول صلى الله عليه وسلم لما فيها من الاتصال بالعلي الأعلى، ولما يجد فيها من المناجاة والتعظيم والثناء على الله، والتذلل والخضوع له، قال صلى الله عليه وسلم: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة)(رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع).

والصلاة باب من أبواب الجنة قال صلى الله عليه وسلم: (وللجنة أبواب فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة)(رواه النسائي، وصححه الألباني في سنن النسائي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ)(رواه مسلم)
والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ](العنكبوت الآية 45).
والصلاة عمود الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ)(رواه الترمذي).
وهي النور والبرهان والنجاة في يوم القيامة،قال صلى الله عليه وسلم عن الصلاة: (مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ)(رواه أحمد).

عباد الله لقد أكد الإسلام على أهمية الصلاة، وحث عليها، ورغب فيها، وتنوعت نصوص الوعد والوعيد حولها، قال صلى الله عليه وسلم: (صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)(رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ)(رواه أحمد).
وقد جعلها الحبيب صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال حينما سئل عن تفاضلها فقال (الصلاة على وقتها).
في الصلاة تجتمع أركان الإسلام فهي تشتمل على الشهادتين في التشهد وعلى تذكير النفس وقضاء الوقت بالطاعة وعلى صوم الجوارح عن المباحات والمحرمات ويتجه المصلي في صلاته إلى المسجد الحرام وهي صلة بين العبد وربه فهنيئاً لمن أقام ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وهنيئاً لمن صلاها كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصليها فهي جواز العبور إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

وصدق الله العظيم: [اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ](العنكبوت الآية45).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين وأشهد ألا إله إلا الله القائل [فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ](البقرة الآية144)، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله القائل في سنته (وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَ‍لِّ)(رواه البخاري)، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاعلموا أيها المؤمنون أن الصلاة مفتاح كل خير، تعطي القلب أنساً وسعادة، وتعطي الروح بشراً وطمأنينة، وتعطي الجسد نشاطاً وحيوية، وتتعدد أنواع الصلاة، فللحضر صلاة، وللسفر صلاة، وللمرض صلاة، وللخوف صلاة، وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللاستسقاء صلاة، وللقيام صلاة، وللضحى صلاة، وكأنها بهذا التعدد تطبب الإنسان، تداوي أسقامه، وتعالج علله وهمومه المتنوعة المتغيرة.
عباد الله وتكرر الصلوات المفروضة لتكون بمثابة صيانة مستمرة للعبد يعرض المسلم نفسه على خالقه، فيظل في رحاب الله، تحرسه مراقبته، يستمد منه قوة الإيمان التي تعينه على شواغل الحياة.
وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ)(رواه البخاري).

والصلاة لها آثار تربوية: فهي تربي النفس على طاعة الخالق، وتعلم العبد آداب العبودية، وواجبات الربوبية بما تغرسه في قلب صاحبها من قدرة الله وعظمته وبطشه وشدته ورحمته ومغفرته، وعندما يتجه المصلون في أنحاء الدنيا إلى القبلة يشعر المسلم بالتآلف والوحدة ونبذ الفرقة، فلا مكان للون أو جنس أو طبقية، فالكل عبيد الله، إلههم واحد، ودينهم واحد، وقبلتهم واحدة، لا فرق بين غني وفقير، وعظيم وحقير، الجميع يعيشون آلام بعضهم، تعودهم الصلاة على الضبط والدقة في المواعيد، والانتظام والاستقامة، فهي تنظم الأوقات، وتعود على الطاعة والاستسلام للواحد العلام، والصلاة من آخر وصايا رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يقول: (الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(رواه أحمد).

وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، وصدق الله العظيم: [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً] (مريم: الآية59).
فلا يليق بمسلم يخشى الله ويرجو ثوابه أن يتهاون فيها أو يتكاسل، بل ينبغي أن يسعى جاهداً لإقامتها تامة محققاً ما فيها من الخشوع والخضوع لله، متجرداً من كل مغريات الحياة وفتنها، ومن فعل ذلك فهنيئاً له الفوز والفلاح.
وصدق الله العظيم: [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ]
(المؤمنون: الآيتان 1، 2).
اللهم وفقنا لأداء الصلاة على الوجه الذي يرضيك عنا يا كريم، اللهم صل وسلم على أكرم خلقك الذي صلى حتى تفطرت قدماه فكان لك عبداً شكوراً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم، وآمن روعاتهم، وارفع درجاتهم في الجنات، واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم، وأصلح نياتهم وذرياتهم.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، اللهم إنا نسألك بمنك وكرمك أن تجعل الأمن يرفرف على بلادنا.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ولاة أمرنا أو أراد علمائنا أو أراد شبابنا أو أراد فتياتنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إن نحمدك ونشكرك على نعمة العافية، ونعمة الأمن، ونعمة الرخاء والاستقرار، نحمدك ونشكرك فزدنا من فضلك وجودك وكرمك يا ارحم الراحمين.
ولنا حديث خاص بحول الله وقوته في جمعة قادمة حول صلاة الجماعة لأهميتها
عباد الله: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ].(النحل: الآية 90، 91 ).
13/7/1431هـ

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire