آداب كسب المال وإنفاقه

بسم الله الرحمن الرحيم..
مستمعينا الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
نرحب بكم في لقاء جديد لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة) وموضوع هذه الحلقة (آداب كسب المال وإنفاقه) نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة ونتمنى لكم حياة سعيدة.
عزيزي المستمع؛ من أسباب السعادة تمتع الإنسان بامتلاك المال والثروة للإنفاق على العائلة والإستغناء عن الناس وصلة الأرحام والسخاء والكرم والبذل والعطاء والإنفاق في وجوه الخير ومساعدة المحتاجين.
وقيل أن الكرامة الإقتصادية تمنح الإنسان كرامة معنوية وتمنحه الشعور بعزة النفس وقد جاء في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إستغن عمن شئت تكن نظيره واحتج إلى من شئت تكن أسيره وأحسن إلى من شئت تكن أميره". وقال: عز المؤمن في استغنائه عن الناس.
ويتفق الجميع على أهمية المال في حياة الإنسان، فللمال قيمة إستراتيجية في الحياة فهو عصب الحياة، والإنسان بدون مال يشعر بالضيق والفقر وسوء المعيشة.
والمال مع ضرورته للحياة هو سلاح ذو حدين، فهو يعد نعمة عندما يكتسب بالعمل والجد وعندما يتخذه الإنسان وسيلة إلى الإنفاق في وجوه الخير والعمل الصالح والبر والإحسان، وقد يكون نقمة عندما يكتسب بطريق غير شرعي وعندما يستخدمه المرء كوسيلة وأداة للربا وفعل الموبقات وللجمع والإدخار والاقتار والبخل.
أيها الإخوة والأخوات، الإسلام يدعو إلى كسب المال الحلال ويروى أنه جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد مجلت يده من العمل في الزراعة، فقال له رسول الله: (مم مجلت يداك؟ أي خشنت، فقال: من الحرث في الأرض فقام رسول الله (ص) وقبل يده وقال: إنها يد يحبها الله ورسوله.. إن الإسلام يدعو إلى العمل ويحث عليه ويجعل الثواب لمن يعمل في الأرض أو في التجارة أو في أي عمل يخدم المجتمع.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الكاد لعياله كالمجاهد في سبيل الله.
وقال (ص): تسعة أعشار العبادة في طلب الحلال.
ولكن الإسلام حدد في المقابل للكسب آداباً يعرفنا بأهمها ضيفنا الكريم (سماحة الشيخ اديب حيدر من لبنان) فلنستمع له:
حيدر: بسم الله الرحمن الرحيم الكسب هو واحد من عناوين العمل يعني اليوم المصطلح العالمي المتداول هو سوق العمل. هل الاسلام نظر نظرة أساسية الى مسئلة العمل والعامل؟ لذلك هناك إهتمام وتوصية كبيرة من رسول الله صلى الله عليه وآله لأمته بالعمل حتى أنه من كان بيده فسيلة وقامت القيامة فليغرسها لأن العمل عالجه الاسلام من كونه رافد من روافد إستقرار المجتمع والمجتمع الذي تكون فيه موارد الكسب متأمنة تكون موارد الأمن الإجتماعي هي مؤمنة لذلك قسم الاسلام العمل الى أقسام، قسم من أقسام العمل إعتبرها واجب وهي التي تتأمن من خلالها النفقة الضرورية للأسرة وهنالك أعمال ومكاسب إعتبرها الاسلام مندوبة ومستحبة وسنة وهناك أقسام من العمل إعتبرها الاسلام محرمة كبيع الخمر والعمل في الغناء والعمل في الأماكن المشبوهة والتجارات المحرمة كعمل الذباحة والقصابة التي تولد قساوة القلب لذلك الاسلام قسم العمل الى هذه العناوين وأدرج لها احكاماً فقهية وأدرج لها أفكار تتركز عليها مسار المجتمع بإتجاه الحياة الصحيحة. والمجتمع والمة التي لاتعمل ولاتنتج هي امة كسولة وهي أمة متخلفة وامة ضعيفة. حث الإسلام على الكسب والعمل على المستوى الفردي وعلى مستوى الجماعة لذلك يتوجه الاسلام الى صيانة العامل وحقوق العامل وتشجيع العامل في الكثير من الحقوق التي تكون الحرفة فيها غير مقبل عليها لذلك إعتبر أن العمل واجب كفائي يعني إعتبر علم النجارة، علم الهندسة، علم الطب من الأمور ومن الواجبات الكفائية التي اذا قام بها البعض تسقط عن الآخرين ويعتبر وجود فراغ في هذا المجتمع وفي هذا الجانب يشكل خطراً على مسيرة الاسلام ومسيرة المجتمع الاسلامي فالعمل في الاسلام عنوان بارز وكبير جداً وهو ينظر الى انواع العمل وانواع الكسب وتوزيع الإنتاج والتوظيف الحقيقي لذلك ترابط العمل مع الكسب ومع الزكاة ومع الصدقة ومع الدين وكل ذلك في إطار شبكة متواصلة من أجل أن يكون المجتمع المنتج في عالمنا الاسلامي يصب في خدمة الاستقرار والاستقرار يصب في خدمة العبادة لأن الله سبحانه وتعالى يقول عندما يكون المجتمع مستقر فتكون موارد العبادة أكثر قربة الى الله سبحانه وتعالى.
أيها الأكارم.. التفقه في الشؤون الإقتصادية هو من أهم الضرورات بحكم العقل والمنطق والدين؛ يقول الرسول (صلى الله عليه وآله): (من فقه الرجل أن يصلح معيشته وليس من حب الدنيا طلب ما يصلحك).
ويقول الإمام علي (ع): إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه الإقتصاد وحسن التدبير وجنبه سوء التدبير والإسراف.
كما جاء في الحديث الشريف قول النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله -: (المغبون لا محمود ولا مأجور).. فما الذي تفيده نظائر هذه النصوص الشريفة بشأن أثر آثار العمل بالآداب الشرعية للكسب والإستفادة الصحيحة من المال في تحقيق الحياة الطيبة للإنسان؟ نرجع إلى ضيفنا الكريم سماحة (الشيخ اديب حيدر من لبنان) لكي يجيبنا عن هذا السؤال، نستمع معاً:
حيدر: الاسلام حث أتباعه على الكسب الحلال وأبعدهم عن الكسب الحرام وكانت دراسة علمية دقيقة للإسلام قبل أن يكتشف العلم الحديث آثار المال الحرام والإنتاج الحرام يؤثر في سلوك الانسان وفي ذرية الانسان وفي طبيعة الانسان والكسب الحلال يؤدي الى استقرار المجتمع لأن الكسب الحرام هو إستخدام وسائل غير مشروعة مما يؤدي الى منافسة غير مشروعة بين المجتمعات لأن الطرق الملتوية هي أقدر على تجميع المال والاسلام لايسمح بكسب المال كيفما كان وتجميع الثروات والعمل وأراد أن يكون تجميع المال وتجميع العمل وتجميع الثروة يكون بطريقة تنسجم مع المجتمع ولاتتعارض مع بعضها البعض لذلك حرّم السرقة حرّم الربا وحرّم الغش وحرّم الإحتكار كل ذلك لكي تكون وسائل الإنتاج متاحة للجميع والربح متاح للجميع بشكل متوازن لا أن يكون هناك إستغلالات وطرق ملتوية تؤدي الى تجمع الثروة بيد أناس وبالتالي يتحول المجتمع الى حاكم ومحكوم وظالم ومظلوم وبالتالي تفسد الصيغة الاجتماعية.

أيها الأعزاء، إن تعاليم الإسلام العظيمة تؤكد بوضوح على أن الغنى أفضل من الفقر بشرط واحد وهو أن يكون المال وسيلة للخير والعمل الصالح.
قال تعالى: "وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً".
وقال الرسول الأعظم (ص): "نعم المال الصالح للرجل الصالح ونعم العون على الدين الغنى".
وقال: "لا خير فيمن لا يحب جمع المال ليصل به رحمه ويؤدي به أمانته ويستغني به عن الخلق".
وقال لقمان لإبنه: يا بني أكلت الحنظل وذقت الصبر فلم أر شيئاً أمر من الفقر، فإن افتقرت فلا تحدث به الناس كي لا ينتقصوك ولكن إسأل الله تعالى من فضله.
وقال الإمام علي (ع) لإبنه محمد بن الحنفية: "يا بني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه فإن الفقر منقصة للدين مدهشة للعقل داعية للمقت".
وقال: "المقل غريب في وطنه والغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة".
وفي الدعاء: "اللهم أعطني السعة في الرزق".
وقد صدق من قال:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يبن ملك على جهل وإقلال

إذن.. فمن السعادة كسب المال والسعي في طلب الرزق والمثل يقول: إن في الحركة بركة، ولأجل أن لا تشعر بالفقر لابد أن تتعلم حرفة وأن تعمل، والعمل مهم جداً من أجل أن لا تكون فقيراً وذلك عن طريق إدخار ولو جزء ضئيل من معاشك، والعمل الدؤوب والنشاط المتواصل والتفكير الخلاق والإرادة القوية والعزيمة الثابتة كلها تجلب الرزق.
وأهم شيء الإعتماد على الله تعالى والتوكل عليه واللجوء إليه في الفقر والغنى فإنه خير الرازقين وأرحم الراحمين، ومن يتوكل على الله فهو حسبه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire