الهوايات وغرس القيم

لعلنا ننطلق من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:
مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع بني فلان). قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لكم لا ترمون). قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارموا فأنا معكم كلكم)
رواه البخاري حديث 2743.

من الحكمة والبصيرة اهتمام الدعاة إلى الله بالنظر في أحوال المدعوين ..مستواهم العلمي والثقافي ..مستواهم الاجتماعي والاقتصادي ..ظروفهم الحياتية ..

وأيضاً هواياتهم ..وهذا ما سنسلط عليه الضوء هنا ..

فالانطلاق مع المدعو من هوايته حكمة وبصيرة دل عليه تشجيع النبي صلى الله عليه وسلم للنفر من بني أسلم على هواية الرمي ..فإن ذلك من أنجح الطرق في غرس القيم الإسلامية السامية ..والذي يجعلنا نقول بذلك :

- أنه اتصال بالمدعو بالوسيلة المحبة لنفسه .
- أنه ممكن التطبيق مع كل المراحل العمرية ، ومع كلا الجنسين .
- أنه يزيد مساحة ميادين الدعوة لتشمل مواقع التعليم ، ومواقع العمل ، والمناسبات ، بل وتصل إليه في داره !

في مدينة الرياض تبرع أحد التجار لمؤسسة دعوية مهتمة بدعوة غير المسلمين ، لكنه اشترط أن يقام بالمبلغ الذي تبرع به ملعباً لكرة السلة !
فاستجاب لرغبته مكتب المؤسسة ، فحدثت المفاجأة عندما أقام المكتب دوري في كرة السلة للجالية الفلبينية يوم الجمعة ، الأمر الذي جذب أعداداً كبيرة ممن يهوون هذه اللعبة فكانت المفاجأة إسلام أعداداً منهم وإشراق حياتهم بنور الإسلام !

إن الذي دفعني لكتابة هذا الموضوع هو ما قام به أحد معلمي التربية البدنية بمدرسة تضم المرحلة المتوسطة والثانوية بمدينة الطائف ، حيث أقام دوري في كرة القدم بمدرسته واختار شعاراً له ( صلاتي نجاتي ) ، وقد حققت هذه الفكرة نجاحاً ملحوظاً فاق توقع المعلم الذي انطلق من فكرة ( غرس قيمة الصلاة في نفوس الطلاب من باب ما هواياتهم الرياضية ) ، فكيف لو أضيف لمثل هذا العمل القيم بعض الأفكار التطويرية :

- ككتابة الشعار ( صلاتي نجاتي ) على بدل اللاعبين ، أو في ربطة توضع على اليد مثلاً .
- جعل الفكرة تمتد لتصل حصة الرياضة البدنية ، فيصبح هناك شعاراً يحمل قيمة إسلامية سامية كل شهر .

إن مثل هذه التجارب الناجحة في استغلال الهوايات كفرصة لغرس القيم أمر جدير بالعناية والاهتمام .

ويقفز إلى مخيلتنا ميدان التربية والتعليم ومدى وجود هذه الفكرة في حيز اهتمامات المعلمين وتخطيطهم ، فمعلم التربية الفنية يطلب من تلاميذه الذين لديهم ميول للرسم والأعمال الفنية عمل لوحة يعبرون فيها عن حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويجعل لصاحب أفضل لوحة جائزة قيمة .

- ويقوم معلم الحاسب يتوجيه هواة التصاميم والموهوبين منهم خاصة لعمل تصاميم الفوتوشب مثلاً تحت شعار( إنما المؤمنون إخوة ) فيزرع بذلك قيمة الأخوة الإيمانية في نفوس طلابة .
- ويحث المحبين للفلاشات مثلاً لأعمال تزرع فيهم قيمة حسن الخلق تحت شعار ( أحب قرب النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ لأن أقرب الناس منه منزلة يوم القيامة أحسن الناس خلقاً جعلني الله وإياكم منهم ، أو قيمة الهمة العالية تحت شعار ( إن الله يحب معالي الأمور ).
- ويطلب من هواة البوربوينت مثلاً عرضاً عن الإتقان تحت شعار ( إتقاننا خطوة لارتقائنا ) ، أو عرضاً عن التقوى ، تحت شعار ( إن للمتقين مفازاً ).

- ويقوم معلم المكتبة .. بتوجيه تلاميذه هواة القراءة والبحث تحت شعار ( المرء مع من أحب يوم القيامة ) لقرءة : قصص الأنبياء وسيرة النبي عليه وعلى نبيا أزكى الصلاة والتسليم - سير الصحابة والعلماء ..
- ويوجههم لقراءة تاريخ المسلمين وحضارتهم ..تحت شعار ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )..
- ويوجههم لقراءة قصص التجار تحت عنوان ( دلوني على طريق السوق ) ، ولحثه على التفكير والتجربة يقرأ قصص الاختراعات والمخترعين ..وهكذا سائر التخصصات والمعارف ..
فيعتنى بما يهوونه ..لنغرس قيمنا الإسلامية .

وهل هذا الأمر قاصر على شريحة الطلاب فقط ؟

الجواب بلا شك : لا.. فهواة السفر من المسلمين ، يُسعى لإقناعهم بقيمة ( سفراء الإسلام ) فيستحضر معه في سفره أنه داعية إلى الإسلام بسلوكه ، وبثقته في مبادئ دينه ، وبقدرته على زيارة المراكز الإسلامية والمساجد في كل بلد يسافر إليه ، فيثبتهم بسلامه عليهم ودعائه لهم بالسداد والتوفيق ، وينشطهم بسؤاله عن جهودهم ويشاركهم في حل مشاكلهم .
ولعل بعض هواة السفر ممن يحسن الحوار والمناظرة يعرض رسالته بالحكمة ، ولعل البعض يحسن فن ربط العلاقات العامة بين المهتمين بالعمل للإسلام في العالم .

إن ميدان غرس القيم من خلال الهواية بما فيهم من موهوبين ميدان فسيح لا يمكن أن نعطيه حقه في موضوع قصير كهذا ..

إنما هي إشارات ..تجعل من زميلك في العمل طاقة فاعلة في العمل للإسلام عندما توجه هوايته ومحبته للمراسلة عبر الإنتر نت إلى أن يكون داعية إلى الإسلام .

وتجعل من جارك المحب لتكوين المجموعات البريدية ، وصديقك صاحب المدونة ، ومن تلتقي به من أصحاب المواقع والمنتديات ، رجالاً يعملون لدينهم من خلال هواياتهم وما يحبونه .

وتجعل من إمام مسجد الحي يحصي هواة الكتابة في حيه لتسيل أقلامهم وصفاً لعظمة هذا الدين ، ولترتص أسطر مقالاتهم سداً منيعاً عن ثوابت الإسلام .
وتجعل منه حريصاً على الوصول لهواة خدمة الناس وإغاثتهم .
، وتجعل منه قادراً على ربط هواة العمل والمهن بالتجار وأصحاب الورش تحت شعار ( كسبي بيدي ) .
إنه يحول من هواة التجمع والسمر إلى مجلس استشاري للحي تحت شعار ( يدي بيدك ليرتقي حينا ).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire