العيش الكريم في الاسلام

تقوم نظرية الاقتصاد الإسلامى على أسس الدراسة والاستقراء والتحليل والمقارنة والنتائج ليؤكد أن الإسلام يعطى الحرية لرب العمل أن يقدح ذهنه ويشحذ عبقريته ويصل ليله بنهاره إذا أراد، ولكنه فى الوقت نفسه يحمى العامل، ويحرص على أن يوفر له العيش الكريم الذى لا يقل من حيث الأساسيات عن عيش رب العمل. لا شك أن الناس درجات فى الرزق، ولكن الفرص أمامهم جميعا متكافئة للتعلم والعمل والتقدم، الإسلام أخوة وتضامن، وعلى الحاكم أن يضمن تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم لكل لرعيته عن طريق افرد بسعيه وجده، وإذا ضاقت به سبل الحياة عن الكسب الكافي، فبيت المال هو الكافل وهو الضامن، وللحاكم أن يعمل وفقا لما تقضى به التوجيهات الإسلامية وأن يتصرف عند اللزوم، تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة.
وفى المفارقة الحاصلة بين واقع المسلمين فى أمسهم ويومهم نجد الحاجة إلى إحياء المفاهيم الاقتصادية التى تؤدى إلى سد فجوات النظم الوضعية الحالية بل وتؤسس لمجتمع يتلمس حاجات أفراده ويضع نظما منضبطة لإشباعها عبر تكافل وتعاضد المجتمع بأسره، لترتقى بالمحتاج وتجعله فى مصاف الأولويات لأخيه ولجاره بل للمجتمع بأسره عبر فكر بعيد عن الانتهازية والطائفية وحب الظهور، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لن تؤمنوا حتى ترحموا" قالوا يا رسول الله كلنا رحيم، قال: "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة عامة للناس".
وهناك وظائف حددها الشارع الحكيم للحاكم كجمع الزكاة وتوزيعها حسب المصارف التى حددها الشارع، وهذه من أهم وظائف الدولة لأن القصد من الزكاة هو خلق توازن اجتماعى يضمن للمحتاجين حق العيش الكريم فى ظل الدولة الإسلامية بأخذ شيء من فضول أموال الأغنياء ورده على الفقراء فالمال فى الإسلام مال الله والإنسان مستخلف على هذا المال بالوكالة، ولذلك، فإن الغنى عندما يخرج شيئا من ماله للفقير فهو يعطيه من مال الله وليس من ماله الخاص لقوله تعالي: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم). وإنما آلت إليه الخصوصية بحق العمل والملكية التى هى أيضا ملك مؤقت ومحدود العمل والجهد الذى يبذله فى المال. والروح التى يبثها الإسلام فى أصحاب الأموال هى روح الإنسانية المؤمنة التى تجاوزت حدود النفس الضيقة إلى حدود الإيثار والتعاون على البر والتقوي، والتآخى فى الإسلام الذى يرتفع فوق التآخى فى الأرحام والأنساب وفوق الأنانية الضيقة التى لا ترعى إلا المصلحة الشخصية، تجاوزت حدود كل ذلك إلى رحاب الإنسانية العريضة التى تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. والحكمة فى ذلك هى تحقيق الضمان الاجتماعى لأفراد المجتمع العاجزين عن الكسب والمعوزين الذين لا يكسبون ما يضمن حياة كريمة لهم ولمن يعولون. ومسؤولية الدولة المباشرة هى أن تكفل لهؤلاء حياة حرة كريمة.
والمفهوم الإسلامى للفقير يرى أنه (عدم القدرة على الحصول على الاحتياجات الضرورية لعدم توافر أسباب العيش الكريم الرغد وهو ما يعنى العوز والتعرض للجوع والحرمان والإملاق).
ومن ثم فجهود التنمية وعمارة الأرض فى الإسلام تهدف إلى رفع مستوى المعيشة وتحسينه بانتظام بما يكفل توفير حد الكفاية لجميع الأفراد أى إغناء كل فرد بحيث يكون قادرا على الإنفاق على نفسه وعلى من يعول وذلك تمييزا له عن حد الكفاف الذى يعد الحد الأدنى للمعيشة.
ولا يقتصر توفير حد الكفاية على ضرورات الحياة اليومية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بل يمتد إلى ما يلزم لتهيئة حياة كريمة للفرد مثل توفير الرعاية الطبية والتعليم الأساسى وسبل الزواج أى كل ما يجعل الفرد يلحق بالمستوى المعيشى السائد فى المجتمع.
والفقير فى المفهوم الإسلامى هو من لا يملك قوت يوم وليلة لقوله صلى الله عليه وسلم (من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقيل وما حد الغنى يا رسول الله؟ قال شبع يوم وليلة).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire