من فضائل التسبيح


الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين, إله الأولين والآخرين, والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
إن من رحمة الله تبارك وتعالى بخلقه, أن أنعم عليهم النعم وأسبغها, فنعمه لا تُعد ولا تحصى وإن من هذه النعم نعمة اللسان الذي يكون به النطق والبيان, وبه يذكر الإنسان ربه الكريم الرحمن سبحانه, فذكر الله تبارك وتعالى به تحيا القلوب وتطمئن قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: 28]. وسوف نذكر عملاً من أعمال اللسان, فنقول من أعمال اللسان ذكر الله تبارك وتعالى بالتسبيح, والتسبيح هو كما قال العلامة المفسر الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: "التسبيح هو تنزيه الله عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، وأصله في اللغة الإبعاد عن السوء، من قولهم: {سَبَّحَ}, إذا صار بعيدا، ومنه قيل للفرس: سابح، لأنه إذا جرى يبعد بسرعة، ومن ذلك قول عنترة في معلقته:
إذ لا أزال على رحالة سابح *** نهر تعاوره الكماة مكلم
وقول عباس بن مرداس السلمي:
لا يغرسون فسيل النخل حولهم *** ولا تخاور في مشتاهم البقر
إلا سوابح كالعقبان مقربة *** في دارة حولها الأخطار والفكر"1
وللتسبيح فوائد عظيمة جداً نذكر بعضاً منها:
أولاً: التسبيح من أحب الكلام إلى الله تبارك وتعالى.
ثبت في الصحيح من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟)), قلت يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله, فقال: ((إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده))2, وجاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال عمر لعلي وأصحابه عنده: لا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر قد عرفناها فما الحمد لله؟ قال علي: كلمة أحبها الله تعالى لنفسه ورضيها لنفسه وأحب أن تقال"3, وسُئل عليّ رضي الله عنه عن: "سبحان الله" ، فقال: " كلمة رضيها الله لنفسه"4.

وإنما كان التسبيح من أحب الكلام إلى الله تبارك وتعالى لأنه يدل على التنزيه الكامل والتعظيم البالغ لله جل وعلا.
ثانياً: التسبيح يحط الخطايا وإن كثرت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))5, وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب, وكتبت له مائة حسنة, ومحيت عنه مائة سيئة, وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي, ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك, ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر))6, فمن رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن جازاهم على العمل القليل الثواب العظيم, ويجازي على الحسنة بخير منها وذلك بمضاعفتها إلى أضعاف كثيرة قال الله: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}[النمل: 89], وقال: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[القصص: 84].
ثالثاً: التسبيح من أفضل ما يأتي به العبد يوم القيامة:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق, وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)), قالوا: بلى, قال: ((ذكر الله تعالى)), فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله"[7, وذلك لأنه تنزية وتمجيد لله تبارك وتعالى, فهو تنزيه لله عن النقائص.
رابعاً: أن المسبح تغرس له بكل تسبيحة نخلة في الجنة.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة))8, فأين المشمرون؟
نحن في هذه الحياة في مهلة عمل ولا حساب، وغداً في الآخرة حساب ولا عمل, فعمل أخي في هذه الحياة أكثر من التسبيح والتهليل والذكر لله تبارك وتعالى حتى تفوز برضى الله, وعليك أن تكثر من الزرع في الجنة فإنك في زمن الزرع فبكل تسبيحة تزرع نخلة في الجنة فما أعظم رحمة الله بخلقه.
خامساً: التسبيح وسيلة لكسب الحسنات:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة))9, وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه))10, وقال الله تبارك وتعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}[الأحزاب: 35], قال مجاهد رحمه الله: "لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا، حتى يذكر الله قائما وقاعدًا ومضطجعًا"11, ومن المعلوم أن التسبيح هو ذكر لله تبارك وتعالى وتنزيه له, فكان الإنسان به يكسب أعظم الدرجات كما هو واضح من هذا الحديث العظيم وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها, وتضاعف إلى سبع مائة ضعف, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
سادساً: التسبيح ثقيل في الميزان يوم القيامة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده))12, فعليك أخي أن تكثر منه حتى يأتي يوم القيامة وصحيفة عملك ملآ به, فيصبح الميزان ثقيلاً, فهذه بعض الفضائل للتسبيح ويكفي في فضله أنه تنزيه لله تبارك وتعالى, وأنه ذكر لله تبارك وتعالى, ويكفي في فضل الذكر أن الله تبارك وتعالى يذكر الذي يذكره في ملأ خير من الملأ الذي ذكره العبد فيها, وينال معية الله تبارك وتعالى كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة))13.
ومن فضل الذكر أن نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم سأل ربه تبارك وتعالى أن يعينه بأخيه هارون، فقال: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}[طه:33-35], فالعلة هنا ذكرها نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام كما في هذه الآية.
قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: "علم عليه الصلاة والسلام أن مدار العبادات كلها والدين على ذكر الله فسأل الله أن يجعل أخاه معه يتساعدان ويتعاونان على البر والتقوى فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح والتهليل وغيره من أنواع العبادات"14.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: ((سيروا هذا جمدان سبق المفردون)), قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟, قال: ((الذاكرون الله كثيراً والذاكرات))15.
وقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه, كما هو عند الإمام مسلم رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه, قالت: فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه؟, فقال: ((خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه, فقد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة, ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا))16.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل ألسنتنا عامرة بذكره سبحانه وتعالى, وقلوبنا بخشيته, ونسأله التوفيق لكل عمل صالح, وأن يجنبنا كل سوء وزلل, والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire